يميل الكثيرون في مجتمعنا إلى الانعزال والابتعاد عن الأوساط الاجتماعية، ليس لأنهم يحبون هذا ويختارونه عن قناعة، بل لأنهم لا يعرفون كيف يتواصلون مع الناس بشكل جيد ولا يعرفون الطرق السليمة للرد على الكلام الجارح الصادر منهم.
أغلبية هؤلاء يتعرضون لمواقف سيئة من أشخاص مقربين، سواء من عائلتهم أو أصدقائهم أو حتى والدة زوجك إن كنت متزوجة! وللأسف الافتقاد للمهارات الاجتماعية يوقعهم في فخ كبير.
إذا كنت أنت ضمن هذه الفئة التي تتعرض للكلام الجارح أو على الأقل تريد حماية نفسك من الوقوع ضحية لهم، فهذا المقال موجه لك.
ما هي خطورة الكلام الجارح؟
كما أشرنا في مقدمة المقال، أن نهاية أو نتيجة عدم مواجهتك لـ الكلام الجارح هي العيش وحيدا، وهذا ما يعتبر ضد طبيعتنا البشرية باعتبارنا نحتاج للتعايش مع الآخرين، سواء اعترفنا بهذا أو لا.
حين تتخذ قرارا يخالف طبيعتك البشرية، فنتائجه بكل بساطة ستكون عكسية عليك!
من جهة أخرى، فإن التعرض لحشو الكلام أو أن يوجه إليك كلام يجرحك دون أن تستطيع مواجهة قائله، يجعلك مع الوقت تتبنى عقد نفسية. سيظهر هذا في رفضك للتواجد مع الناس والإحساس بالذعر كلما كنت محاطا بهم. خصوصا، إذا كان الكلام الذي قيل لك صدر من شخص قريب منك وكنت تُقدره كثيرا، وبالتالي تصرفه شكل لك صدمة.
لماذا تتعرض باستمرار للكلام الجارح؟
من المهم الانتباه جيدا للأخطاء التي نرتكبها وتؤدي بنا للوقوع في نفس المواقف، وهنا الحديث عن مواقف الكلام الجارح! ستلاحظ معي أن الشخص حين يسمع كلاما جارحا أو غير محبب، يميل إلى تكذيبه واللجوء إلى تحليل الكلام.
ما المقصود بتحليل الكلام؟
يعني، حين تسمع هذا الكلام، تبدأ بالتساؤل هل فعلا ذلك الشخص قصد أن يقول ذلك الكلام أم لا؟ هل كان يمازحني؟ بالتأكيد هو لم يقل تلك الجملة عن عمد…!
فقط، راجع معي ماضيك قليلا، وستجد أنك كلما حللت كلام شخص ما تجاهك ورغم أنك حاولت عدم تصديقه إلا أن النتيجة النهائية دائما تقول لك أن ذلك الشخص بالفعل كان يقصد ما يقوله.
كيف تتأكد من الكلام الجارح؟
تحدثنا كثيرا عن هذا الأمر، كيف تكتشف الأشخاص أمامك وكيف تعرف من يستغلك ومن يسخر منك… نفس الأمر هنا أيضا. ستكشف أن الشخص كان يقصد فعلا ما يقوله بالاستماع إلى حدسك.
مع كامل الأسف، يتجاهل الكثيرون الاستماع إلى حدسهم حين الوقوع في مواقف الكلام الجارح وهذا ما يتسبب لهم في متاعب نفسية.
لماذا؟
لأنك حين تقوم بتحليل الموقف، فأنت لا تحلله في دقيقة واحدة فقط، بل يستمر معك الأمر لأيام ولأسبوع كامل أو أكثر، وهذا شيء حقيقي! هذه الاستمرارية في التفكير في الموقف بحد ذاتها تعتبر تسميما لنفسيتك.
لاحظ فقط نفسيتك كيف تكون حين تجلس مع شخص عزيز عليك ويبادلك مشاعر جيدة، الوقت يمضي بسرعة ولا تمل من رفقته. على عكس، حين تضطر للجلوس مع شخص لا يبادلك مشاعر صادقة فأنت تسارع الوقت لتتركه.
لذلك، حين يخبرك حدسك أن ما سمعته هو كلام جارح وقد صدر من هذا الشخص عن قصد قم بتصديق حدسك وطبق ما يقوله لك.
إذا قيل لك، لماذا لا تراقب زوجتك؟ أو لماذا لا تراقب أختك؟ ففعلا هو يقصد هذا!
يعطي الكثير من الأشخاص لأنفسهم الحق في التدخل في الحياة الشخصية للآخرين، وهذا شيء مزعج. قد تكون أنت الآن شخص حقق العديد من الإنجازات ولديك اهتماماتك ومشاريعك وفجأة يأتي شخص قد يكون أقل منك ويقوم بمحاسبتك أو انتقادك. هنا، يجب أن تعرف كيف تتصرف مع هذه الشخصيات السامة بحيث لا تضطر للنزول إلى مستواهم.
أحسست بالانزعاج من كلامهم؟ إذن، تصرف!
ما الذي يمنعك من التواصل مع هذه الشخصيات السامة؟
لا تريد أن تبدو بمظهر الجبان والتافه! حين يصدر كلام من شخص أمام جماعة من الناس أنت تخاف أن ترد وتواجهه ويكون كلامك تافها وخارج السياق، هذا هو السبب في أغلب الحالات.
من جانب آخر، ما يمنعك من الرد هو الخوف من أن تجرح بدورك شخصا قريبا منك. مثلا، أنت متزوجة وحماتك تقول لك كلاما جارحا وأنت لا تردين عليها حتى لا تجرحي زوجك! أو نفرض أن ابن خالتك تصرف بتصرف سيء تجاهك، فأنت لا ترد عليه خوفا من انزعاج خالتك!
فما النتيجة هنا؟
أنت من ينزعج، أنت من ينجرح!
تعطي الأولوية للآخرين، حماتك، خالتك، صديقك… بدل أن تعطيها لنفسك.
القاعدة هنا تقول: لا تتعاطف مع أي شيء لا يجعلك سعيدا!
ربما يكون السؤال الذي ستطرحه الآن هو ماذا لو طبقت ما يقوله حدسي، ولكن لم أصل للنتيجة التي أريدها؟
الجواب بسيط، ولو أن النتيجة لم تكن مثل ما تريدها، فأنت لن تندم على تصرفك لأنه نابع منك، نابع من داخلك. والمفاجئ في الأمر، أنك كلما عبرت عن حدسك ومواقفك لهؤلاء الأشخاص كلما ارتفعت قيمتك لديهم وتوقفوا عن تجاهلك.
كيف تتصرف في هذه المواقف؟
هناك مسألة مهمة يجب التنبيه إليها وتخص أنواع المواقف التي تتعرض فيها للكلام الجارح.
النوع الأول: كلام جارح واضح أمام الناس
بحيث تكون مثلا وسط مجمع من الناس ويقال لك كلام معين عن قصد وكل من حولك يفهم لأنك المعني بهذا الكلام. هنا، ليس عليك سوى أن تواجه الشخص مباشرة وباسمه بحيث تسأله: ما الأمر؟ ما الذي فعلته لتقول هذا؟
النوع الثاني: كلام جارح غير واضح
هنا تكون أنت الوحيد بين الناس الذي فهم قصد ذلك الطرف ولماذا قال هذا الكلام. ليس عليك هنا أن تواجهه مباشرة لأنه قد تبدو للآخرين كأنك تتحدث خارج الموضوع.
الطريقة السليمة للتصرف هي بانتظار الطرف الآخر لينتهي من كلامه، ثم تسأله: هل لديك دقيقة؟ أريد قول شيء، ثم تطرح سؤالك الأساسي: ما الذي فعلته؟ لماذا قلت ذلك الكلام؟
سيجنبك هذا الوقوع في فخ التحليل والتفكير، هل يقصد أو لا يقصد!؟
لماذا يهاجمونك لفظيا؟
هناك ثلاث مواقف رئيسية تدفع بالآخرين إلى قول الكلام الجارح، وهي:
1ـ حب السيطرة:
لا يملكون شيئا ضدك! فقط يريدون بسط سيطرتهم عليك وأن تكون دائما في حاجة إليهم.
2ـ الغيرة
يغيرون من شيء أنت تملكه وهم لا. أووه أنت لديك سيارة وأنا لا، أو أنت لديك أطفال وأنا لا، أنت ناجح وأنا لا…
3ـ حب الانتقام
أعرف عنك شيئا ـ سرا ـ ولاحظت فيك تصرفات غير جيدة، مع ذلك لا أريد أن أظهر لك السوء. ما الذي أفعله؟ كلما التقينا اسمعك كلاما جارحا لكي أنتقم!
الهدف من كل هذه المواقف هو أن تتعرض للتسمم النفسي، بحيث تسمع الكلام الجارح وبالتالي تلجأ لتحليله والتفكير فيه طوال أيام وأسابيع!
من المهم أن تقوم بتحديد ما هي المواقف التي تتعرض لها أنت ومع من، سيساعدك هذا في تجاوز الأمر بسهولة. شاركنا في التعليقات، هل تتعرض للغيرة أو السيطرة أو الانتقام؟
السر لتجاوز الكلام الجارح
أغلب حشو الكلام الذي تتعرض له فهو مجاني، بمعنى لا يمثلك ولا يتواجد فيك أصلا وبالتالي فالكلام بعينه لا يجرحك. السبب في شعورك السلبي هو أن ذلك الكلام صدر من شخص لم تتوقع منه هذا.
هذه نقطة مهمة جدا يجب أن تتذكرها، أنت لا تنزعج من الكلام الجارح، لأنه في الأصل لو كان ما يقال عنك فعلا صحيح فأنت لن تُجرح. إذا كنت شخصا سيئا لن تحس بالانزعاج إن قيل لك أن إنسان سيء!
لكن، حين يصدر هذا الأمر من شخص عزيز أو قريب هنا ينقلب الأمرـ أنت لا تريد تظهر له السوء! مع ذلك، من الجيد أن تفهم وتستوعب أننا لا نعيش في عالم مثالي وأن الجميع ليسوا ملائكة.
الناس تختلف، قد يخدعك البعض وقد يخون البعض أيضا ثقتك… لذلك، الحل هنا هو أن تتعلم كيف تتعايش مع هذه الفئة وتكتسب المهارات اللازمة لمواجهتهم والحفاظ على سلامتك النفسية!
أدخل معلوماتك لقراءة المقال مجانا