في عالم مليء بالضجيج، وفي بيئة لا تُحترم فيها الخصوصية، تصبح مهارة رسم الحدود مهارة لا غنى عنها.
ليس ترفًا ولا رفاهية، بل ضرورة نفسية واجتماعية تضمن لك الكرامة والهدوء والسلام. وأنا أقولها بوضوح: إذا لم تتعلم كيف ترسم حدودك، سيستبيح الآخرون كل ما تملك، بدءًا من وقتك وطاقتك، وصولًا إلى احترامك لذاتك.
لماذا نعيش هذا القبح الاجتماعي؟
في دولنا العربية، يعاني الفرد يوميًا من تصرفات تتجاوز المنطق. تصرفات لا تحدث في الدول المتقدمة، ولا تُعتبر “اختلافًا في الثقافة”، بل تجاوزًا صارخًا للحدود.
أن تستيقظ على جارتك تغسل سجادتها عند السادسة صباحًا، أو على موسيقى صاخبة من الطابق الأسفل، أو أن يطلب منك زميلك في العمل خدمة شخصية في آخر دقيقة وكأن وقتك غير مهم… هذه ليست وقائع معزولة، بل نمط سلوك متكرر لأن الناس لم تتعلم أن “رسم الحدود” واجب على كل فرد.
وللأسف، مع هذه السلوكيات نحن مطالبين بتعلم مهارات تحمينا من التعرض المتكرر لها، وحين أكرر عليك أنا تعلم أساسيات العلاقات الاجتماعية، فليس هذا ترفا أو إضافة فوق الاحتياج، بل هي ضرورة مأكدة.
الهركاوي… والضحية المتحضرة
في فيديوهاتي على اليوتيوب، تكلمت كثيرا عن الشخصية الهركاوية، التي تملأ مجتمعنا، وإن كنت حتى الآن لم تفهم هذا المصطلح، فدعني أشرحه له:
الهركاوي هو شخص غير متحضر، لا يعرف الحد، وهذا ليس معناه أنه غير متعلم أو من طبقة متدنية اجتماعيا، ليس شرطا! من أهم علاماته أنه لا يضع أي خطوط حمراء، يفعل ما يشاء، متأكدًا أنك لن تتدخل.
لماذا؟
لأنك شخص “متحضر”، تربيت على قناعة خاطئة: “لا أنزل لمستواه”. هذه القناعة، التي يكررها الجميع، ليست سوى قناع للجبن. الحقيقة أنك تخاف من المواجهة، من النزاع، من أن تكون حازمًا، فتفضل الصمت… وتدفع الثمن.
الهركاوي يعرف أنك لن ترد. يعرف أنك ترسم لنفسك حدودًا ولا تتجاوزها، بينما هو بلا حدود، بلا موانع، بلا خسائر. هذا هو الخلل الأساسي في العلاقة بين الضحية والمتعدي. أنت تربيت على الصمت، وهو تربى على التجاوز.
لا تجعل من “اسمح لي” فخًا عاطفيًا
أسوأ ما في هذا المشهد، أن من يؤذيك لديه أدوات جاهزة للتبرير: “اسمح لي، أزعجتك”، أو “آسف، لم أنتبه”، أو “خطئي”.
كلمات تبدو لطيفة، لكنها في الحقيقة فخ عاطفي. فخ يجعلك تسامح، وتبتلع الغضب، وتبرر له الخطأ… فيكرر فعله.

هل ستحمل “اسمح لي” في جيبك؟ هل ستتحمل كل هذا القبح من أجل كلمة سطحية؟ الاعتذار الحقيقي هو الذي يُتبع بسلوك.
الاعتذار الحقيقي هو أن تقول: “اسمح لي، كيف يمكنني إصلاح الموقف؟”.
حين يتحول الصبر إلى انفجار
تظن أن صبرك فضيلة. أن تكون الشخص المتفهم، الصامت، الذي لا يرد ولا يزعج الآخرين. لكن في لحظة ما، سينفجر كل هذا الصبر. ستفقد أعصابك، وتصرخ، وربما تتصرف بطريقة تندم عليها لاحقًا.
لماذا؟ لأنك لم تتعلم كيف ترسم الحدود من البداية.
رسم الحدود لا يعني العدوانية
رسم الحدود هو أن تكون واضحًا، حازمًا، تُسمي الأشياء بأسمائها. تقول: هذا السلوك غير مقبول؛ توقف.
القانون معك… استخدمه
لا تخف من استخدام القانون. إذا كان جارك يزعجك، فلك الحق أن تتصل بالشرطة. إذا فتح أحدهم الموسيقى في مكان عمومي، فلك الحق أن تطلب منه خفضها. الاحترام لا يُطلب، بل يُفرض أحيانًا.
نعم، واجه. لا تبتلع القبح. لا تضحك وتقول: “ناس غير متعلمين”. هذا ليس عذرًا. الجهل ليس رخصة لإزعاج الناس.
الأطفال… صورة مصغرة عن الفوضى
هناك مشهد يتكرر في كل فضاء عمومي: أطفال يصرخون، يرمون الماء على الناس، يحتلون مسارات الجري، والآباء يتفرجون. لا كلمة، لا ملاحظة، لا تربية! والنتيجة؟ تربية جيل جديد من الهركاويين الصغار والمجتمع كله يدفع الثمن.

إذا كان ابنك يزعج الناس، فاللوم ليس عليه، بل عليك أنت. إذا لم تتدخل، فأنت شريك في الإزعاج. والساكت عن القبح… قبيح مثله.
الكلمة المفتاحية: رسم الحدود ليست خيارًا
نعم، رسم الحدود في 2025 ليس رفاهية. هو المهارة الأولى التي يجب أن تتعلمها لتحمي نفسك من الاستغلال، من التعدي، من القبح المتفشي في الشارع والعمل والعائلة. الصمت لم يعد ينفع. الرد ضروري. لا بالعنف، بل بالقانون، بالحزم، بالوعي.
إذًا، ماذا أفعل الآن؟
ابدأ الآن. تعلم كيف تتعامل مع المواقف المتكررة التي تزعجك. لا تبرر. لا تتعاطف. لا تبتلع. ارسم حدودك بوضوح. قل: “توقف”. قل: “هذا غير مقبول”. وإن احتجت دعمًا وتدريبًا، فقد أعددت لك برنامجًا تدريبيًا حضوريًا بعنوان:
- حدود صحية: اجعل حدودك تُحترم واسترجع سلامك الداخلي
- سنلتقي في الدار البيضاء، خلال شهر شتنبر.
- سجّل عبر هذا الرابط، واحجز مقعدك قبل نفاذ الأماكن.

سؤال تفاعلي:
هل هناك موقف تعرضت فيه لتجاوز في حدودك، وانتهى باعتذار سطحي بـ”اسمح لي”؟
وماذا كانت ردة فعلك؟
أدخل معلوماتك لقراءة المقال مجانا