الأدب المزيف: حين تتحول اللطافة إلى شكل من أشكال الانبطاح

الأدب المزيف

في مجتمعاتنا العربية، كثيرًا ما يُخلط بين الأدب الحقيقي، وبين الأدب المزيف الذي يُمارَس بدافع الخوف أو الخضوع أو المراعاة الزائفة للآخرين

هذا الخلط لا يُنتج أخلاقًا، بل يُنتج نسخ مكررة: شخص يتظاهر باللطف بينما هو يتآكل من الداخل، يُجامل وهو يحتقر الطرف الآخر، يبتسم وهو غاضب، يُنصت وهو ساخط.

الأدب، حين يفقد صدقه، يتحول إلى أداة استسلام، إلى لغة خضوع، إلى تمويه يُبرر لك به الناس تدخُّلهم، وقاحتهم، واستغلالهم.

ولذلك، يجب أن نسأل أنفسنا بوضوح: متى يصبح الأدب ضررًا؟ ومتى يكون الصمت أو الرفض أو الحزم هو الأجدر؟

لا تُجبَر على الأدب المزيف

  • كم مرة دخلت مصعدًا، وألقيت السلام بدافع التهذيب، فقوبلت بصمت؟
  • كم مرة شاركت في جلسة عائلية أو اجتماعية، وأظهرت الابتسامة والمودة، فقوبلت بالاستخفاف أو التحقير؟
  • هل كنت حقًا ملزمًا بذلك السلوك؟ هل كنت مجبرًا على قول “السلام عليكم” أو الابتسام أو المجاملة؟

الجواب: لا.

ما تفعله ليس نابعًا من احترام حقيقي للآخر، بل من تربية قائمة على الانبطاح

ثلاث قواعد ضرورية لتوقف الأدب المزيف

أولًا: احترم مشاعرك

  • إذا شعرت بالنفور من شخص ما، لا تجبر نفسك على معاملته بلطف.
  • إذا كنت لا تحترم سلوكه، لا تُظهر احترامًا زائفًا له.

لو كانت لديك صعوبة في التعبير عن نفسك أو ضبط مشاعرك، فهذا ليس ضعفا… هذا يعني أنك تحتاج أن تطور مهاراتك.

لهذا، أنشأت لك باقة متكاملة في الذكاء العاطفي، الاجتماعي، والطاقي، فيها كل ما تحتاجه لتكون شخصًا حقيقيًا، قويًا، وواضحًا… بدون أن تؤذي أحدا، وبدون أن تؤذي نفسك.

تصرفات تخرب علاقاتك الاجتماعية

أن تحترم نفسك يعني أن تتعامل مع الآخرين بما يناسب قيمك وشعورك، لا بما يُملى عليك اجتماعيًا.

كثيرون يعتقدون أن التهذيب المطلق فضيلة. لكنه حين يكون على حساب كرامتك ومشاعرك، يصبح تنازلًا مهينًا.

ثانيًا: دافع عن مساحتك

في بيئتنا، كثيرًا ما يتجاوز الناس حدودهم تحت غطاء النصيحة أو المزاح أو “الحرص”.

“لا تعتبرها قلة أدب، ولكن…”، هذه العبارة لا تعني سوى محاولة وقحة لاختراق حدودك الخاصة، والنيل من اختياراتك، والمساس بك تحت غطاء الأدب.

لا تسمح لأحد بذلك.

الأدب المزيف

ضع حدًا واضحًا لأي شخص يُعلّق على لباسك، نمط حياتك، شريكك، خياراتك. وقل له بهدوء: “لا شأن لك، ولن أقبل هذا التدخل، ولو كان مغلفًا بلغة مهذبة.”

ثالثًا: تعلّم التواصل الحازم

التواصل لا يعني المراوغة ولا العبارات العامة. لقد تحدثت عن أساسيات التواصل في مقالات عديدة، ولا مجال لديك لتنجح في حياتك الاجتماعية دون تعلم هذه الأساسيات.

الكثيرون يعتقدون أن قول “لا” وقاحة. لكن في الحقيقة، قول “نعم” وأنت لا تعنيها، هو نوع من الكذب الاجتماعي.

إليك 3 مواقف لا يصلح فيها الأدب

1. حين ينتقدك شخص في أمر ترتاح له

أسلوب حياتك، طريقة لبسك، هواياتك، خياراتك الشخصية… كل ذلك لا يحق لأحد التدخل فيه. وإذا فعل، فلا تقابله بلطف.

بل اسأله:

  1. “هل وضعتُ يدي في جيبك؟”
  2. “هل خنتك؟”
  3. “هل أبرمت معك عقدًا يلزمني بما تقول؟”

إن لم يحدث شيء من ذلك، فليصمت.

2. حين يُطلب منك أن تثق في من لا ترتاح له

من يلحّ في طلب ثقتك، غالبًا لا يستحقها. الثقة لا تُمنح بالكلام، بل تُبنى عبر المواقف.

الأدب المزيف

وإن شعرت بعدم الراحة تجاه شخص، لا تُجامل، ولا تُجبر نفسك على التعامل. قل بوضوح: “أنا لا أعرفك كفاية، ولا أشعر بالأمان معك.”

3. حين تُجبر على المجاملة في بيئة لا تحترمك

دفعت مالك في فندق، المطعم سيء، الخدمة رديئة، الموظفون يطلبون “إكرامية” بشكل غير مباشر، ثم تسألهم في النهاية: “كل شيء تمام يا سيدي؟”.

فتبتسم وتقول: “نعم، ممتاز، سأعود مرة أخرى.”، وأنت في داخلك تقول: “لن أعود حتى لو دفعتم لي!”

هذا هو قمة الانبطاح المجتمعي، وهذا ما يجب أن يتوقف.

سؤالي لك في نهاية هذا المقال: متى كانت آخر مرة استخدمت فيها الأدب وأنت في داخلك ترفض ذلك؟ وما الذي منعك من قول الحقيقة؟

تعليق واحد على “الأدب المزيف: حين تتحول اللطافة إلى شكل من أشكال الانبطاح

  1. zakaria chagour يقول:

    أغلب مواقفي كانت بهدا الأسلوب الأدب المزيف ومزاد إلى قلت آدب اتعرض لها لكن هده الأيام الأخيرة وعيت بوضعيتي واعلم على التغيير ومكان السبب هو جروح عاطفية كعدم الأمان الخوف من الرفض أو الإهانة والباحة عن القبول والإهتمام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *