إن لم تستطع حتى الآن بدء محادثات مع أشخاص لا تعرفهم فهذا بسبب وجود معتقدَيْن سلبيين في داخلك.
من الرائع أن تسمع كلمات التشجيع وأن تبقى على تربيتك التي كبرت بها ـ الخاطئة معظم الوقت ـ، إلا أنك إن لم تستوعب ما الذي يمنعك بالفعل من اكتساب الشجاعة للتعرف على الناس وبناء علاقات ناجحة فلن تتحرك من مكانك!
ما الذي يمنعك من بدء محادثات مع أشخاص جدد؟
لا يوجد مشكل ليس له سبب أو مسببات متعددة، وإن كنت أنت الآن تعاني من بدء محادثة مع شخص غريب، سواء في حفل أو مقهى أو حتى في مصعد فلا بد من وجود سبب خاص.
دعني أشاركك ثلاث احتمالات رئيسية قد تعاني منها أنت الآن:
1ـ أنت شخص خجول، ويدخل ضمنها أن تكون شخصا جريئا ـ بمعنى سلبي ـ في بيتك، لكنك خجول في الخارج.
2ـ أنت شخص إنطوائي، يعني طابع شخصيتك يميل للانطوائية ولا تقدر على التواجد في أماكن معينة.
3ـ أنت شخص أخرق! لا أقصد الشتيمة، لكنك فعلا إنسان غير مستقر فكريا ولا مشاعريا.
الاحتمال الثالث هو الأخطر، لكون طابعك يميل للشجار والصراع أكثر منه للنقاش والحوار!
لا تستغرب من هذا الأمر، لأنك شخصيا ستكون لاحظت أشخاص كُثر سواء في وكالة بنكية أو إدارة معينة، بمجرد حديثه لدقيقتين مع شخص ما يبدأ بالصراخ عليه، أو إن تأخرت طلبيته يبدأ بالشجار…

هذا النوع من الأشخاص يعاني في بدء محادثات مع أشخاص جدد لكونه لا يعرف نفسه، ولا يعرف ما الذي يريده بالضبط، الهدف الوحيد الذي لديه هو أن يبدو أفضل من الطرف الآخر، وللأسف هذا دليل على عقدة النقص بداخله، وقلة تقديره لذاته!
والحل هنا هو التصالح مع الذات وتطبيق الخطوات العملية لتستطيع بدء محادثات مع أشخاص تريد التعرف عليهم.
كيف تستطيع بدء محادثات قصيرة وناجحة؟
كما أخبرتك في مقدمة المقال، إن كنت تعاني في قوقعة منعزلة، لا تملك صداقات أو علاقات، وكلما اُعجبت بشخص لا تستطيع محادثته، فالأمر يعود لمعتقدين سلبيين بداخلك.
المعتقد الأول:
تعتقد أنك لتبدأ محادثة تحتاج لتكون إنسانا رائعا، وتقول كلاما خارقا للعادة، وأن تبهر الطرف المقابل لك، في حين أن هذا خطأ، وهذا فخ يقع فيه الأغلبية منكم.
نحن حين نرغب في التواصل مع أشخاص آخرين، فنحن لا نبحث عن الإنبهار، أو المعلومات، أو شخص يتفلسف علينا، بل نبحث عن الترفيه والمتعة.
لهذا فكرة دخولك في مواضيع معقدة وكبيرة، ومحاولتك لتبدو مثقفا سيجعل الناس تنفر منك.
لماذا؟ لأنهم يخافون منك. دخولك في موضوع عميق أو موضوع مرتبط بمعتقدات الشخص وتفضيلاته يقلقه، كالحديث مثلا عن التوجه الديني أو السياسي…
الناس لا تريد الحديث عن هذا مع شخص لا تعرفه، لهذا تفادى هذه المواضيع في أولى محادثاتك!
ما الذي تحتاجه إذن لبدء المحادثة؟ تحتاج طاقة إيجابية، أن تكون أنت بنفسك إنسانا جيدا، ومبتسما، ومستمعا جيد، وأيضا منفتح على الآخر دون مبالغة.

المعتقد الثاني:
تعتقد أنك إن تشجعت على الحديث مع شخص ما فستقوم بإزعاجه، وهذا ليس إلا تعبيرا عن قلة تقديرك لذاتك.
قبل أن تبدأ أي نقاش أو محادثة، تكون حددت في مخيلتك تصورا خاصا بذلك الشخص وبردة فعله، وكونه سيراك أقل منه، وحديثه معك سيكون فقط مجاملة.
الشخص الاجتماعي يتخلص من الأحكام المسبقة، ويتواصل لأنه يحب التواصل وليس لأنه ينتظر مقابل ما، أو ردة فعل معينة، وهذا ما يجعله في الأساس لا يفكر إن كان الطرف الآخر سيجيبه أو سيضحك معه أو لا، هو فقط يقوم بما عليه القيام به، وهو التواصل.
لهذا، إن كنت تفكر في أن الناس ستقوم بإحراجك ولن ترغب في الحديث معك، فنظف هذا المعتقد.
3 تقنيات لتستطيع بدء محادثات جيدة من الآن
نعم، الخطوات أو التقنيات التي سأشاركها معكم هي فعالة وسهلة في نفس الوقت، حيث تستطيع تطبيقها من الآن.
1ـ إبدء المحادثة بهذه الجملة
الكلمة الأولى ستؤثر على مسار العلاقة، لهذا انتبه ما الذي تبدأ به محادثتك. دائما استعمل الجملة التالية: اسمح لي، ما سأقوله لك سيفاجئك… أكمل الجملة بما تريده أنت ‘لباسك جميل، ساعتك رائعة، هذا الطبق لذيذ…’، استعمل مجاملة معينة أو حتى اطلب نصيحة سريعة، مثلا إن كنت في مكتبة أو محل معين، أو قل رأيك بشأن الجو…
هذه الجملة الخاصة ‘اسمح لي، ما سأقوله لك سيفاجئك…’، ستجعل الطرف الآخر يتقبل محادثتك. نحن في العادة نتخوف من الغرباء، وبالتالي حين يأتي شخص ما ويحدثنا نتفاجئ، لكن أنت حين تبدأ له الجملة فعلا بجملة ‘ما سأقوله سيفاجئك…’ فأنت تطمئنه.
بعد هذه الخطوة، تستطيع إذن التعريف عن نفسك!
2ـ اُشعر بالطرف الآخر
تحدثت مسبقا عن فكرة فهم السياق، أنت تعرف السياق الذي يتواجد فيه مخاطبك.
إن كنت مدعو لحفل ما، لا تكن الشخص الذي يخرب الحفلة، استمتع، راقب الناس عن ماذا يتحدثون وتفاعل معهم. لا تسأل عن العمل أو المستوى الدراسي مادام الناس يستمتعون ويرفهون عن أنفسهم، وفي المقابل إن كنت في جلسة عمل أو في جلسة يتحاور فيها الموجودين عن صفقة معينة أو موضوع جِدي، لا تكن أنت المهرج أو الشخص الخارج عن الموضوع!
من ناحية أخرى، أحيانا تكون أنت متعب، ولا تستطيع الكلام أو غير مهتم بالموضوع المطروح فيأتي شخص ما ويتدخل ويتحدث معك دون توقف ويجبرك على الإنصات إليه والتفاعل معه…، ارجوك لا تكن مثل هذا النوع، لماذا؟ لأنهم مصاصين للطاقة، هم لا يتعاطفون مع من حولهم ولا يشعرون باحتياجهم، فقط يستنزفون طاقتهم!

3ـ تصالح مع مخاوفك
إن كنت تخاف من التواصل مع أشخاص من بيئتك، أو كنت دائم الشجار معهم، فالخطوة الأولى التي عليك القيام بها هي بدء محادثات قصيرة مع هؤلاء بالذات!
لا أطلب منك محادثات عن القنبلة النووية، أو شيء معجز، بل فقط قل ‘السلام عليكم’، سلِّم على جارك، سائق التاكسي، النادل في مقهى الحي…
تعود على إلقاء التحية لأنها ستسهل عليك أن تنفتح على أشخاص آخرين بعيدا عن بيئتك.
إبدأ بخطوات بسيطة حتى تكتسب عادة التواصل وستجد نفسك أصبحت شخصا اجتماعيا عن قناعة! درب نفسك على هذه الخطوات يوما بعد يوم، ولو كان الأمر مزعجا أو صعبا. كلما استمريت في التطبيق كلما ازداد تقديرك لذاتك.
بارك الله فيك اخ عزيز