في زمن أصبحت فيه المشاعر تُعرض في العلن، أصبح البعض يظن أن إظهار الألم، أو البكاء أمام الآخرين، أو حتى الشكوى المستمرة… علامة قوة. وكأننا صرنا نخلط بين التوازن النفسي، وبين أن نكون مكشوفين بلا وعي.
لكن في عالم تحكمه السلطة والتنافس والمصالح، فإن أول خطوة للانهيار تبدأ من هنا: من مشاعرك التي لا تضبطها، من ضعفك الذي تعرضه، ومن ردود فعلك التي تكشف كل أوراقك.
أنا لا أطلب منك أن تكون قاسياً، ولا أن تتحول إلى آلة، بل أقول لك: إذا لم تتحكم في مشاعرك، فسيتحكم الآخرون بك.
تجاهل قليلا ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي وركز على العالم الواقعي، حيث نعيش علاقات حقيقية، وصراعات وجدالات لا تنتهي، لا في الحياة الشخصية، ولا في الحياة المهنية، لذلك ضبط المشاعر، مهارة عليك امتلاكها اليوم قبل الغد!
الذكاء العاطفي هو القاعدة الخفية في كل لعبة سلطة
حين كتبت سابقاً عن قواعد ميكيافيلي، وضحت أن من يريد أن يصعد في عالم لا يرحم، عليه أن يتقن قواعده. وميكيافيلي نفسه لم يكن يبرر الخداع، بل كان يشرح الواقع كما هو: من لا يفهم كيف تُلعب السلطة، يتم سحقه.

واحدة من أهم قواعد ميكيافيلي هي:
“لا تُظهر نواياك، ولا تمنح أحدًا نقطة ضغط يستخدمها ضدك.”
وهنا يظهر الذكاء العاطفي كعنصر حاسم. ليس كمجرد مهارة تنمية ذاتية، بل كأداة بقاء.
الذكاء العاطفي هو قدرتك على:
- فهم مشاعرك دون أن تفضحها.
- إدراك نوايا الآخرين دون أن تكشف نواياك.
- السيطرة على تعبيرك الخارجي حتى في أشد لحظاتك توتراً. (وقد تحدثت كثيرا عن الهيمنة الجسدية وكيف يستخدمها الناس للاستغلال العاطفي).
في لعبة السلطة، لا مكان لمن يُظهر حزنه أمام الجميع، أو من يُعطي خصومه خريطة واضحة لنقاط ضعفه.
من لا يعرف متى يصمت، متى يظهر، ومتى يضرب… يخسر اللعبة حتى لو كان صاحب نوايا طيبة.

لا تكن كتاباً مفتوحاً
كلما ارتفعت في منصبك، زادت أعين الناس عليك. كلما زاد راتبك، زادت التوقعات. كلما أثبتّ نجاحك، زادت محاولات الآخرين لإسقاطك.
إذا كنت كتاباً مفتوحاً، تضحك للجميع، وتُظهر نقاط ضعفك، وتشتكي من علاقتك، أو من مديرك، أو من أصدقائك… فأنت تقدم لخصومك فرصة ذهبية: سيعرفون متى يهاجمونك، وأين يضغطون.
الذكي عاطفياً لا يكبت مشاعره، لكنه يديرها. لا يُخادع، لكنه يُخطط. يعرف أن لكل شيء توقيته، ولكل ضربة وقتها.
من يبكي في العلن… يُستهزأ به. ومن يبكي في الظلام… يعود أقوى
أنت لست مطالباً بعدم الشعور. لكن لا تجعل كل إحساس يتحول إلى ردة فعل لحظية.
- من يتحكم في مشاعره، هو من يتحكم في سلوكه.
- ومن يتحكم في سلوكه، هو من يفرض احترامه.
- ضبط المشاعر هو الفارق بين من يُربّى، ومن يُربّي.
توقف عن السعي ليفهمك الجميع
الناس لا تهتم بما تشعر به. من يستفيد من ضعفك، لن يرحمك.

كلما حاولت إقناع الآخرين أنك شخص “قلبك أبيض”، وأنك تستحق الفهم والاحترام، كلما أوقعت نفسك في فخّ التبرير.
- من يرَ فيك نفعاً… سيقول إنك رائع.
- ومن تفقد قيمتك أمامه… سيصفك بالأناني، المغرور، المتغير.
- لا تصدق المديح الزائف. ولا ترتبك من الانتقاد حين تغيّر نفسك.
لأن من كان يستغلك بنسختك القديمة، سيهاجمك حتماً عندما تخرج من المربع الذي وضعك فيه، أما الأشخاص المحبين لك، فهم لن يرغبوا في وضع ضمن مربع أنت لا تريده، ولن يلصقوا لك بطاقة أنت لم تضعها لنفسك!
الذكاء العاطفي مهارة لا رفاهية
في علاقاتك، في عملك، حتى داخل أسرتك… الذكاء العاطفي ليس مجرد مفهوم لطيف بل ضرورة استراتيجية.
- أنت لا تنتصر بالصراخ، ولا بالانفعال، ولا بأن “تربي” الناس أمام الجميع.
- أنت تنتصر حين تصمت حيث يجب، وتتكلم حين يحين الوقت، وتجمع قوتك، وتصرفها بذكاء، وليس باندفاع.
إذا كنت ترى نفسك ضحية لمشاعرك، وتريد أن تتعلم كيف تضبطها وتستخدمها في الوقت والمكان المناسب، فقد أعددت لك تدريبًا عمليًا مفصلًا.
ستجده في هذا الرابط: كورسات الذكاء العاطفي والاجتماعي، ومعالجة النزاعات، بأكثر من 13 ساعة تدريبية وتمارين عملية!
وسؤالي لك الآن:
هل تمتلك القدرة على أن تحبس ردّة فعلك، وتعيد توجيهها حين يحين وقت الانتقام الحقيقي؟
اكتب لي رأيك في التعليقات.
كلام واقعي شكرا لك.
من خلال مقالاتك وفيديوهاتك أستفيد الكثير لتغيير شخصيتي التي اشعر بها ضعيفة عندما اريد الرد اومناقشة الآخر دون خروج على السطر كما يقال.